سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {وما كان صلاتُهم عند البيت} سبب نزولها: أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفِّقون ويَصْفِرُون ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر. فأما المكاء ففيه قولان:
أحدهما: أنه الصَّفير، قاله ابن عمر، وابن عباس، وابن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة. قال ابن فارس: يقال: مكا الطائر يمكو مُكاءً: إذا صَفَر، ويقال: مَكِيَتْ يده تَمكى مَكىً، مقصور، أي: غلُظت وخشُنت، ويقال: تمكّى: إذا توضأ. وأنشدوا:
إنَّكَ والجَوْرَ على سبيل *** كالمُتَمَكِّي بدمِ القتيلِ
وسئل أبو سلمة بن عبد الرحمن عن المكاء، فجمع كفَّيِه وجعل يَصْفِر فيهما.
والثاني: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم يخلطون به وبالتصدية على محمد صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قاله مجاهد: قال ابن الأنباري: أهل اللغة ينكرون أن يكون المكاء إدخالَ الأصابع في الأفواه، وقالوا: لا يكون إلا الصفير. وفي التصدية قولان:
أحدهما: أنها التَّصفيق، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. قال ابن قتيبة: يقال: صدَّى: إذا صفَّق بيديه. قال الراجز:
ضنَّت بخَدٍّ وجَلَت ْعَن خَدِّ *** وأنا مِنْ غَرْوِ الهوى أُصَدِّي
الغرو: العجب، يقال: لا غرو من كذا، أي: لا عجب.
والثاني: أن التصدية: صدُّهم الناس عن البيت الحرام، قاله سعيد بن جبير. وقال ابن زيد: هو صدُّهم عن سبيل الله ودينه. وزعم مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام، قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن يمينه فيصفِران، ورجلان عن يساره فيصفِّقان، فتختلط على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته، فقتلهم الله ببدر، فذلك قوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} بتوحيد الله.
فان قيل: كيف سمى المكاءَ والتصديةَ صلاةً؟.
فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنهم جعلوا ذلك مكان الصلاة، ومشهور في كلام العرب أن يقول الرجل: زرت عبد الله، فجعل جفائي صِلَتي، أي: أقام الجفاء مقام الصلة، قال الشاعر:
قُلْتُ له اطْعِمِني عَمِيْمُ تَمْرَا *** فَكَانَ تَمْريْ كَهْرَةً وَزَبْرا
أي: أقام الصياح عليَّ مقام التمر.
والثاني: أن من كان المكاءُ والتصديةُ صلاتَه، فلا صلاة له، كما تقول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء، يريدون: مِنَ السخاء عيبه، فلا عيب له، قال الشاعر:
فتىً كَمُلَتْ خيراتُهُ غير أنَّه *** جوادٌ فلا يُبقي من المال باقيا


قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في المطعِمين ببدر، وكانوا اثني عشر رجلاً يطعمون الناس الطعام، كل رجل يطعم يوماً، وهم عتبة، وشيبة، ومُنبّه، ونُبَيه ابنا الحجاج، وأبو البَخْتَري، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأخوه الحارث، وحكيم بن حزام، وأُبَيُّ بن خلف، وزمعة بن الأسود، والحارث بن عامر ابن نوفل، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أُحُد ألفين من الأحابيش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوى من استجاش من العرب، قاله سعيد بن جبير. وقال مجاهد: نزلت في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أُحُد.
والثالث: أنها نزلت في أهل بدر، وبه قال الضحاك. فأما سبيل الله، فهو دين الله.
قوله تعالى: {ثم تكون عليهم حسرة} أي: تكون عاقبة نفقتهم ندامة، لأنهم لم يظفروا.


قوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {ليميز} خفيفة. وقرأ حمزة، والكسائي: {ليميّز} بالتشديد وهما لغتان: مِزْتُه وميَّزتُه. وفي لام {ليميز} قولان:
أحدهما: أنها متعلقة بقوله: {فسيُنفقونها} قاله ابن الأنباري.
والثاني: أنها متعقلة بقوله: {إلى جهنم يحشرون} قاله ابن جرير الطبري. وفي معنى الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: ليميز أهل السعادة من أهل الشقاء، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال السدي، ومقاتل: يميز المؤمن من الكافر.
والثاني: ليميِّز العمل الطيب من العمل الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: ليميز الإنفاق الطيب في سبيله، من الانفاق الخبيث في سبيل الشيطان، قاله ابن زيد، والزجاج.
قوله تعالى: {ويجعل الخبيث بعضه على بعض} أي: يجمع بعضه فوق بعض، وهو قوله: {فيركمه}. قال الزجاج: الركم: أن يُجعَل بعضُ الشيء على بعض، يقال: ركمت الشيء أركُمه رَكماً، والركام: الاسم؛ فمن قال: المراد بالخبيث: الكفار، فانهم في النار بعضهم على بعض؛ ومن قال: أموالهم، فله في ذلك قولان:
أحدهما: أنها أُلقيت في النار ليعذَّب بها أربُابها، كما قال تعالى: {فتكوى بها جباهُهُم} [التوبة: 35].
والثاني: أنهم لمَّا عظَّموها في الدنيا، أراهم هوانها بالقائها في النار كما تُلقى الشمس والقمر في النار، لَيرى مَن عبدهما ذُلَّهما.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12